يتسم جلد الإنسان بليونته وقابليته للتمدد واحتوائه على ملايين النهايات العصبية المسؤولة عن الإحساس بالحرارة واللمس، ما يجعله أداةً رائعةً لاستكشاف العالم الخارجي والتفاعُل معه، وعلى مدار الأربعين عامًا الماضية، عكف المهندسون على إنتاج نسخة صناعية منه تتمتع بهذه القدرات، لكن محاولاتهم كانت دائمًا ما تعجز عن التوصل إلى نسخة مضاهية لجلد الإنسان في قدرته على أداء وظائف عديدة وفي قدرته على التكيُّف، غير أن هذه الإخفاقات لم تحُل دون ظهور أبحاث جديدة تُثري ما سبقها من جهود بحثية بمزيد من الإمكانيات وتُضفي عليها المزيد من التعقيد، مما يقترب بهذا المجال نحو الوصول إلى غايته المتمثلة في تصنيع جلد إلكتروني، أو «إي سكين» e-skin، له استخدامات متعددة، بدايةً من كسوة الروبوتات به، وانتهاءً بتوظيفه في صناعة أجهزة قابلة للارتداء على جلد الإنسان، وثمة آمال في أن تُمكِّن هذه الأجهزة الإنسان في يومٍ ما من التحكم في الروبوتات عن بُعد، و"الشعور" بما ترصده هذه الروبوتات من إشارات.
وفي هذا الصدد، يقول رافيندر داهيا، أستاذ الإلكترونيات والهندسة النانوية ورئيس مجموعة «بيندابل إلكترونيكس آند سنسينج تكنولوجيز» Bendable Electronics and Sensing Technologies بجامعة جلاسجو: "بدأ الأمر في الثمانينيات عندما لاحظنا أن بعض أجهزة الاستشعار التي تعمل باللمس يمكن التعامل معها على أنها نسخة بدائية من الجلد"، صُممت أول نسخة من هذه الأجهزة -التي كانت تُعرَف وقتها باسم مصفوفة أجهزة الاستشعار المرنة- في منتصف الثمانينيات، واستخدم العلماء في واحدة من تلك المصفوفات رُقاقة الكابتون، وهي عبارة عن غشاءٍ مرن، ولكنه غير قابل للتمدد، كان قد اختُرِعَ في الستينيات لتستقر على سطحه مجموعةٌ من أجهزة الاستشعار والمجسات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، كسا هذا "الجلد" ذراعًا روبوتيةً بسيطة، وبفضله تمكنت الذراع من "الرقص" مع راقصة باليه بشرية؛ فكانت إذا وُجدت الراقصة في نطاق 20 سنتيمترًا من الذراع، استطاعت الذراع الإحساس بحركات الراقصة والاستجابة لها بتعديل حركتها تلقائيًّا.
ولا تقتصر إمكانيات هذا النوع من الجلد على الإحساس بالبيئة المحيطة به فحسب؛ إذ يقول جاو: "إننا حريصون أيضًا على أن تشمل هذه الإمكانيات إمكانية التفاعل بين الإنسان والآلة"، ولتحقيق ذلك، طوَّر الفريق البحثي برنامجًا يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويسمح باتصال قطعتين من الجلد الإلكتروني بعضهما ببعضٍ عندما يكتسي روبوت بإحداهما وإنسانٌ بالأخرى، ونظرًا إلى أنه يمكن التحكم في حجم الطباعة على الجلد الإلكتروني، فقد تمكن الباحثون من طبع قطعة بحجم طرف الإصبع لوضعها على اليد الروبوتية، وأخرى بحجمٍ أكبر لتغطي ساعِد إنسان، واستطاع الروبوت الإحساس عبر هذا الجلد بمدى إحكام قبضته على جسمٍ ما، ومعرفة ما إذا كان هذا الجسم مُغلَّفًا بمواد كيميائية معينة، وفي الوقت ذاته، اكتسب الإنسان المشارك في التجربة القدرة على التحكم في الروبوت المتصل به عن بُعد، فضلًا عن الإحساس بالإشارات الكهربائية القادمة منه في حال رصده لتلك المواد الكيميائية، ويقول الباحثون إن هذا التفاعل قد يتيح للروبوتات يومًا ما أن تحل محل المراقبين البشريين الذين يمكنهم عندها أداء مهمات المراقبة عبر هذه الروبوتات التي تنوب عنهم بوجودها في الأماكن غير الملائمة لوجود الإنسان.
وبالإضافة إلى التحكم في الروبوتات عن بُعد أو تعليمها التكيُّف مع بيئتها، فمن الممكن أن يكون للجلد الإلكتروني العديد من التطبيقات الأخرى، كارميل مجيدي، مهندس الميكانيكا في جامعة كارنيجي ميلون، الذي يتخصص مختبره في تطوير مواد مرنة يمكن توظيفها في صناعة أجهزة إلكترونية مناسبة للإنسان، يقول: "العديد من التطبيقات، على ما أظن، ليست مختصةً بالروبوتات"، ويتوقع مجيدي أن يعمل الجلد الإلكتروني بمنزلة جهاز استشعار جيد، ليس فقط للروبوتات بل أيضًا لأشياء أكثر بساطةً أيضًا، على سبيل المثال، يمكن لهذا النوع من الجلد أن يكون نقطة الانطلاق لابتكار لوحات لمس لينة ومرنة لأجهزةٍ إلكترونيةٍ تفاعلية، أو لصناعة ملابس حساسة أو مفروشات قادرة على استشعار درجات الحرارة المفرطة وغيرها من الظروف البيئية، وعلاوةً على ذلك، فقد يكون لمثل هذا الجلد أوجه استفادة في المجال الطبي، يقول مجيدي: "تكمن الفكرة هنا في ]أنك[ تريد لهذه الجلد الروبوتي أن يكون لاصقًا بحيث يمكن تثبيته على الجسم، بما يُمكِّنك من تَتبُّع مؤشرات جسدك الحيوية مباشرةً".